تحدٍ غير معتاد فى التشخيص والعلاج:
الكيس الخيشومى بالرقبة كمحطة لانتشار ورم سرطانى مختبئ ببلعوم الأنف
بداية .. الكيس الخيشومى هو كيس يظهر فى جانب الرقبة وينتج عن تغير خلقى لعدم التحام بعض المكونات الجنينية بالرقبة. وسمّى بذلك لتشابه تلك المكونات مع مكونات الخياشيم فى الأسماك.
يندر رؤية هذا الكيس ويتم تشخيصه من قبل المتخصصين بالفحص الإكلينيكى والآشعات اللازمة، وفى العادة نقوم باستئصاله جراحياً إذ أن سحب المواد التى بداخله لا يجدى فى العلاج.
عادة ما يكون الكيس الخيشومى مكوناً من جدار سميك والتهابات وطبقات من الأنسجة الطلائية وبعض الخلايا الليمفاوية والمناعية.
إلا أنه وللمفاجأة .. وبعد استئصال الكيس الخيشومى لعلاجه فى مريضنا هذا وجدنا بؤرة سرطانية فى الجدار غير معروفة المصدر.. علما بأن الآشعة المقطعية قبل العملية لم تظهر أى تغير بالبلعوم الأنفى.. بالإضافة إلى أن المنظار التشخيصى الأنفى الروتينى لم يظهر أى شكوك فى أنسجة قد تبدو غير طبيعية. كانت الظنون – مع ذلك – لا زالت ترتاب أن مصدر البؤرة السرطانية قد يكون البلعوم الأنفى. فأجرينا اختباراً مقطعيا بالتصوير البوزيترونى PET CT الذى قد يفيد فى تشخيص أماكن مصادر السرطانات مجهولة المصدر بالإضافة لأماكن الثانويات البعيدة بالجسم .. ولم يعطِ التصوير أى نتيجة إيجابية لوجود أى أثر لورم فى أى مكان!!.
كان القرار أن نجرى اختباراً لفيروس EBV وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بهذا النوع من السرطانات، فإن كان إيجابياً فقد نكون أمسكنا طرف الخيط. وفوجئنا أن التحليل أتى سلبياً !!.
لم نغضّ الطرف عن تلك الشكوك .. وفى مثل تلك الظروف قد نأخذ عيناتٍ عشوائية ً من الأنسجة – التى تبدو سليمة – من البلعوم الأنفى ومن قاع اللسان ونستئصل اللوزتين .. فى محاولة لإثبات مصدر تلك البؤرة السرطانية التى قد تكون مختبئة بين الأنسجة السليمة فى تلك المناطق.
وأتت الآن النتيجة إيجابية لسرطان بالبلعوم الأنفى كما كان متوقعاً.
ولتأكيد تشخيصنا .. أجرينا تحليل جينومى لتلك البؤرة السرطانية بالكيس الخيشومى وهذا النسيج السرطانى بالبلعوم.. فوُجد متطابقاً.. أى أننا قد توصلنا إلى التشخيص النهائى؛ ورم سرطانى غير ظاهر بالفحص والتحاليل والمنظار والآشعات.. مختبئ بالبلعوم الأنفى.. أرسل بؤرة ثانوية استقرت بجدار كيس خيشومى نادر الحدوث !!.
وتلك هى الحالة الوحيدة المسجلة فى التاريخ الطبى لورم سرطانى بالبلعوم الأنفى ينتشر لجدار كيس خيشومى بالرقبة، مع ما حملته من تحدٍ وصعوبات فى التشخيص.